في الجانب الداخليّ الأجواء السياسية صدامية، الّا انّ التطوّر المهم الذي برز في موازاتها، هو انّ كل المعنيين بالملف الرئاسي، قد باتوا مقتنعين بأنّ الحسم قد اقترب لهذا الملف، والمسألة لن تتجاوز بضعة اسابيع، وهو ما يتبيّن من الحراكات المكثفة التي تتسارع على غير صعيد.
وإذا كان عنوان هذه الحراكات، هو تحديد اسماء المرشحين الجدّيين لرئاسة الجمهورية، تمهيداً لجلسة الانتخاب التي تؤكّد المؤشرات انّها ستُعقد في جو تنافسي بين اسمين او ثلاثة او اربعة مرشحين، فإنّ الأطراف المعنيّة بهذا الاستحقاق، منشغلة، كلّ في ما يعنيها، لملاقاة يوم الانتخاب بما تعتبره قوة دفع لمرشحها للوصول إلى القصر الجمهوري.
ووفق المعلومات التي توفرت لـ«الجمهورية»، فإنّ ثنائي حركة «أمل» و«حزب الله» وحلفاءهما، يتحرّكون وفق أولوية تحصيل اكثرية الاصوات المرجحة لفوز رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، وعلى هذا الأساس، فإنّ حركة اتصالات مكثفة تجري بعيداً من الأضواء لحشد هذه الاصوات. وأبدت مصادر الثنائي ارتياحاً ملحوظاً لنتائج هذه الحركة، متجنّبة الحديث صراحة عن نسبة الاصوات التي باتت مضمونة، ومكتفية بالقول: «لماذا تريدون منا ان نستبق جلسة الانتخاب .. فكل شي بوقتو حلو».
وبحسب المعلومات، فإنّ الجانب الأساسي من هذه الاتصالات يتحرّك على محورين لا شي محسوماً فيهما حتى الآن، الاول مع «الحزب التقدمي الاشتراكي»، حيث انّ التواصل مستمرّ بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب وليد جنبلاط. وفيما دأبت بعض اصوات المعارضة منذ مدة على تأويل موقف جنبلاط وإحاطته تارة بالتباسات وغموض، وتارة ثانية بالحديث عن تباين في الرأي داخل «كتلة اللقاء الديموقراطي»، وتارة ثالثة بحسم موقفه والقول بأنّ الخيارات الرئاسية لرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» غير خيار فرنجية، بل سبق له ان حدّد خياراته في مجموعة اسماء طرحها لرئاسة الجمهورية.
الّا انّ الأكيد، كما تشير المعلومات، هو انّ الرئيس بري وجنبلاط قد اعتادا في لقاءاتهما ومداولاتهما حول اي من القضايا المطروحة، سواء التي يلتقيان حولها او يختلفان في النظرة اليها، ان يتركا هامشاً واسعاً للنقاش والحوار حولها. وتبعاً لذلك لطالما انتهت لقاءاتهما ومداولاتهما على اساس انّ للبحث صلة.
واما المحور الثاني، فهو بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، في ظلّ الحديث عن إعادة فتح باب التواصل الرئاسي المباشر بينهما بعد فترة طويلة من الانقطاع. حيث تؤكّد مصادر سياسية مطلعة لـ«الجمهورية»، انّه إن تمّ هذا التواصل، فهذا لا يعني الحسم الايجابي لنقاط الخلاف الجوهرية بينهما، ما يعني انّ بلوغهما قاسماً رئاسياً مشتركاً، امر شديد الصعوبة، فالحزب حاسم في موقفه المؤيّد لترشيح الوزير فرنجية، فيما تؤكّد كل الدلائل والمؤشرات انّ التيار في مكان آخر، وسبق لرئيسه النائب جبران باسيل ان حسم تموضعه في الموقع الرافض لوصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية، مفضلاً الذهاب الى خيار رئاسي آخر.
اما الصورة في مقلب المعارضة لخيار فرنجية، فعنوانها البحث عن مرشّح. وبحسب مصادر المعارضة لـ«الجمهورية»، فإنّ الامور قيد الإنضاج، واسهم تبنّي الوزير السابق جهاد ازعور باتت مرتفعة، وثمة تعويل على تفاهم ما بين حزب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» من شأنه ان يحسم تبنّي ازعور بشكل نهائي. فيما اكّدت مصادر اخرى من المعارضة، انّ الامور لم تقترب من الحسم بعد، فثمة اسماء اخرى غير ازعور موجودة في نادي المرشحين، والتباينات كبيرة جداً سواء ما بين «القوات» و«التيار» او بين اطراف المعارضة، حيث انّ لكل طرف حساباته ومرشحه، وهذا ما شهدناه على مدى الاشهر الستة الماضية، حيث انّها لم تتمكن من أن تُجمع على مرشح معين، فصعب جداً ان ما افسده الدهر في الاشهر الماضية، يمكن ان يصلحه العطار اليوم؟
ورداً على ما يُقال بأنّ المصيبة قد تجمع المعارضة على مرشّح معيّن، لفتت المصادر الى انّ التجربة مع اطراف المعارضة اكّدت وجود توجّهات متعددة داخل المعارضة، ومعظمها، حتى لا نقول جميعها، ليست في وارد التنازل لبعضها البعض، بل انّ كل طرف يحبّذ الإنخراط معه في توجّهاته وموقفه، والتنازل له. ومن هنا، فإنّ المعارضة محشورة في خياراتها التي تعتبرها مبدئية، وفي ثابتة رفض التنازل. فمن هو المرشّح الذي يمكن ان تجمع عليه المعارضة، ولا يُعتبر تبنّيه من ايّ طرف بمثابة تنازل منه لمصلحة الطرف الآخر؟